كان نبي الله هود عليه السلام في مكان يسمى الأحقاف وهو تلك المنطقة من شبه الجزيرة العربية التي تعرف الآن باسم الربع الخالي، وكان قوم هود هم من ذكروا في القرآن باسم قوم عاد وهم ينتسبون إلى سام بن نوح وقد سمي هؤلاء القوم أو تلك القبيلة نسبة إلى عاد بن إرم بن سام، وكانوا من الأقوام التي حباها الله بالكثير من النعم والخيرات سواء في الرزق أو قوة الجسد ومتانته إلا إنهم كفروا بنعمة الله وعبدوا الأوثان من دون الله، فمن عادة البشر النسيان والحيد عن الطريق فبعد الطوفان ومع تعاقب الأجيال خوفًا من نسيان قصص الأجداد قاموا بإقامة التماثيل التي تخلد ذكراهم ومع مرور الوقت عبدت، ومع أزدياد الكفر وظهوره في الأرض جاء الأمر لهود بالدعوة حيث كان هود ممن يتمتعون بالحكمة ورجاحة العقل.
ظهر جليًا في قوم عاد التضاد بين العقول والأجساد فقد كان قوم عاد أقوى من على الأرض في هذا الزمن إلا أن عقولهم ونفوسهم ضعيفة فعبدوا الأوثان، وتصدوا لنبي الله هود في دعوته التي جائهم بها لعبادة الله ” يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ”، وكعادة أصحاب العقول الضعيفة ظنوا أن هود يسعى للسيادة وقدموا له العروض التي رفضها وعدد لهم نعم الله عليهم ولكن جاءت النتيجة عكسية إذا أصابهم الغرور بما يتميزون به من مزايا عن باقي أهل الأرض.
كان لهود وقومه جولات في الإقناع والحجج وبخاصة في يوم القيامة حيث أنه كعادة أهل الكفر لا يؤمنون بالقيامة والحساب، إذ إنهم يرون بأن الحياة هى فقط ما نعيشه في الدنيا، كما تملكهم الغرور والزهو بما لديهم وتكبروا على الله ولم يدركوا الخطأ حتى مع محاولات هود تذكيرهم بسفينة نوح ومع تعاقب السنين ازداد الصراع والعناد من قوم عاد حتى اتهموا هود بالجنون والكذب كما كان مع نوح واصروا على موقفهم ” وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ”.
لم يجد هود أمامه مع هذا الإصرار والعناد والتحدي بدًا فقال كما ورد في القرآن” إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ”.
دلت تلك الآيات على مدى ثقة هود وإيمانه بتحقيق وعد الله، وانتظر الجميع وعد الله وبالفعل بدأ تنفيذ هذا الوعد حيث توقف المطر وجفت الأرض إلى أن مات الزرع، ثم جاء سحاب ثقيل فاستبشر القوم ولكن مع قدوم السحاب جاء البرد الذي تزايد إلى أن قضى على الجميع حيث استمرت تلك الرياح سبع ليالي وثمانية أيام إلى أن توقفت فكان الكافرون قد هلكوا ولم يبقى إلا القليل الذين آمنوا مع هود ” وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ”.
قيل بأن نبي الله هود بعد الريح ذهب بمن بقي من قومه إلى مكة وبقي فيها وتوفي وقد بلغ من العمر مائة وخمسون عامًا، ولكن اختلف العلماء في موقع دفنه فهناك من قال في حضرموت، ومن قال بالقرب من بئر زمزم، ومن قال في دمشق، ومن قال علي قمة جبل شرق مدينة جرش، ومن قال بالنجف الأشرف بالعراق.
المصدر : قصص واقعية