حتى عام 140 قبل الميلاد كانت الإقطاعيات الزراعية الكبرى قد انتشرت تمامًا في الجمهورية الرومانية ، وكان مجلس السيناتوس محتكرًا للسلطة السياسية ، إلا أن هذا الاحتكار قوبل بدءًا من هذا التاريخ بتحدي عنيف ، وخاصة عقب ظهور زعيما الإصلاح ؛ الأخوان تيبريوس وجايوس جراكوس ، ولم ينته هذا التحدي إلا بزوال النظام الجمهوري نفسه .
تيبريوس جراكوس :
رأى تيبريوس أن الخطر الأكبر على الجمهورية الرومانية يكمن في نظام الإقطاعيات الزراعية الضخمة ، والتي نتج عنها تشريد المزارعين الرومان الفقراء ، وكان العلاج في وجهة نظره هو إعادة توزيع الأراضي الزراعية من جديد ، فقام تيبريوس بترشيح نفسه نقيبًا للعامة وذلك في عام 133 قبل الميلاد ، حيث قدم اقتراح بإعادة تطبيق قانون ليكينيوس سيكستوس والذي صدر في 367 قبل الميلاد .
وحدد الحد الأقصى للملكية الفردية في الأراضي بما لا يزيد عن خمسمائة فدانًا رومانيًا ، وأضاف إليه خمسمائة فدانًا أخرى ، للابنين البالغين ليصبح بذلك الحد الأقصى للملكية ألف فدان للأسرة الواحدة .
ثم عمل تيبريوس على تشكيل لجنة للإصلاح الزراعي ، تكونت منه ومن شقيقه جايوس جراكوس ، وأبيوس كلاوديوس لممارسة تطبيق الاقتراح السابق عمليًا ، وذلك بعد أن نجح في استصدار قانون من مجلس السيناتوس بهذا المعنى .
ثم حاول تيبريوس ترشيح نفسه للعام الثاني على التوالي ، لمنصب التريبون وهذا التشريح المتوالي ، بالنسبة للجمهورية الرومانية آنذاك كان مخالفًا لتقاليدها ، حيث كانت التقاليد الرومانية تقتضي أن يرشح التربيون نفسه لعام واحد فقط ، والترشيح مرتين هو أمر مخالف لقوانين فيلليوس الصادر عام 180 قبل الميلاد ، إلا أن تيبريوس كان قد رشح نفسه لهذا المنصب للعام الثاني على التوالي ، مبررًا ذلك بأنه أراد ضمان تنفيذ القانون ، فثار ضده بعض أنصار مجلس السيناتوس وقبضوا عليه وبعض أعوانه واغتالوه .
وعلى الرغم من حادث الاغتيال ، إلا أن لجنة الإصلاح الزراعي ظلت تمارس عملها ، لفترة أربعة أعوام متتالية حتى عام 120 قبل الميلاد ، وكان بها جايوس جراكوس ، الذي حرص بدوره على تنفيذ رؤية شقيقه تيبريوس في الإصلاح الزراعي .
جايوس جراكوس :
كون جايوس جبهة قوية ضد مجلس الشيوخ من أصحاب المصالح المالية والتجارية والفقراء والحلفاء الإيطاليون ، وفي ظل السماح بدءًا من عام 131 قبل الميلاد ، بإعادة ترشيح التربيون لنفسه مرة أخرى ، قام بترشيح نفسه لمنصب التربيون من 124 قبل الميلاد وحتى 122 قبل الميلاد .
ونتيجة لازدياد شعبيته بين الفقراء الرومان على وجه الخصوص ، بسبب القوانين المتتالية التي أصدرها والتي كان هدفها الأول تحقيق قدر من الرخاء للفقراء كقانون توزيع الغلال على فقراء روما ، بنصف سعر السوق مجانًا فيما بعد ، حاول مجلس الشيوخ التخلص منه وتمكنوا من قتله، هو وثلاثة آلاف من أعوانه .
وكان جايوس قبل اغتياله قد عمل على التأسيس لعدد من المشاريع البناءة لخدمة الفقراء ، إلا أن أهم مشروع عمل عليه جايوس كان محاولته تأسيس مستعمرة ، لأول مرة عبر البحر مقتديًا بالإغريق ، في مكان قرطاجنة القديمة ، وقد بناء هذه المستعمرة بناء على صدور قانون ، يعرف باسم قانون روبريوس نسبة إلى نقيب العامة ، الذي تبنى المشروع بتشجيع من جايوس .
ماريوس وسولا :
بينما كانت روما منهمكة في صراع حزبي احتدم بين السيناتوس وجايوس ، كانت الجيوش الرومانية مشتبكة على الجدود في سلسلة من الحروب دفاعًا عن سلامة أراضي الجمهورية .
ولم تمض عدو أعوام على موت جايوس ، حتى اتضح الفساد وعدم الكفاية واشتعلت من جديد نار التطاحن الحزبي ، أثناء ذلك القتال الذي خاضته روما في شمال أفريقيا ، ضد الزعيم النوميدي يوجورثا ، ولكن هذا الصراع الذي بدأ عام 111 قبل الميلاد ، أنجب جنديًا عظيمًا يدعى ماريوس وهو رجل عصامي إيطالي المولد وجندي آخر يدعى سولا وهو سليل لأسرة شريفة .
واللذان بفضلهما انتهت الحرب ضد يوجورثا لصالح روما ، وقد استطاع ماريوس أن يوجد لأول مرة جيشًا نظاميًا تقوم الدولة بتسليحه ، ويكون ولاء جنوده لقائدهم ، فكان الجنود يعتمدون على قوادهم في الحصول على المكافآت السخية ، هذا الأمر الذي ظهرت خطورته فيما بعد ، عندما تحول الجيش إلى جيوش أحزاب طبقية .
وبعد ذلك ظلت الجيوش تتألف من أتباع لكل من ماريوس وسولا ، وقيصر وبومبي مما جعلها مصدرًا للقلق على الدولة ، ثم ازداد الموقف تعقيدًا عندما حدث انقسام داخل حزب الشعبين في روما ، وبدأ زعمائهم المتطرفين يميلون إلى إنصاف الحلفاء الإيطاليين بمنحهم المواطنة الرومانية ، حتى قُتل أحد زعماء العامة وكان ينادي بمنح المواطنة الرومانية للإيطاليين ، من موقعه كنقيبًا للعامة .
فقام الإيطاليون بثورة عارمة سرعان ما تحولت إلى حرب ضد روما ، عرفت باسم حرب المارسية نسبة إلى المارسيون ، وكانت هذه الحرب الأهلية هي القشة التي زادت الفجوة ، داخل الجمهورية الرومانية ، وأدت إلى انهيارها تمامًا فيما بعد .
المصدر : قصص