نبغ سعيد بن المسيب في الحديث والفقه وكان يدرس فتتلمذ علي يده كبار علماء زمانه ومن ابرزهم، سالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن شهاب الزهري، وقتادة، وعمرو بن دينار، وكان من بينهم تلميذ يدعى كُثير بن أبي وداعة، ففقده أيامًا ثم جاء، فسأله اين كنت، فقال : توفيت اهلي فاشتغلت بها، فقال سعيد : الا اخبرتنا فشهدناها، ثم سأله : هل استحدثت امرأة، فقال : يرحمك الله، ومن يزوجني، وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال سعيد : انا ، فرد عليه : او تفعل ؟ فقال نعم ، ثم حمد الله وصلى على نبي الله محمد وزوجني على درهمين.
فقام ولا يدري ماذا يفعل من الفرح، فذهب الي منزله واخذ يفكر ممن يأخذ الدرهمين وممن يستدين، فصلي المغرب وانصرف وكان صائماً، فأكل طعامه وكان خبزًا وزيتًا، فإذا بالباب يقرع، فقال من هذا، فقال الطارق : سعيد، ففكر في كل انسان اسمه سعيد الا سعيد بن المسيب، لم يتوقع ابداً أن يكون هو الطارق، فإنه لم يره لمدة اربعين سنة الا بين بيته والمسجد، ففتح الباب فإذا بسعيد بن المسيب، فظن أنه رجع في زواجه من ابنته، فقال : يا أبا محمد ألا أرسلت إليّ فآتيك؟، فقال سعيد : لا ان احق ان تؤتي، فقال : إنك كنت رجلاً عزباً لا زوج لك، فكرهت ان تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثق من الباب ثم تقدم الي القصعة التي فيها الزيت والخبز، فوضعها في ظل السراج حتي لا تراها .
ثم صعد الي السطح ونادي الجيران فجاءوا يتسائلون، فقال : زوّجني سعيدُ بن المسيب ابنته اليوم، وقد جاء بها إليّ على غفلة، وهاهي في الدار. فنزلوا إليها في داري، فبلغ أمي الخبر فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام ـ تعني تزينها استعدادًا للدخول بها ـ قال: فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل النساء وأحفظهن للقرآن، وأعلمهن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعرفهن بحق الزوج، ومكثت شهرًا لا يأتيني سعيد بن المسيب ولا آتيه، فلما أن كان قرب الشهر أتيت سعيد في حلقته، فسلمت عليه فرد عليّ السلام ولم يكلمني حتى تفوّض ـ تفرق ـ المجلس، فلم يبق غيري، فقال: ما حال ذلك الإنسان؟ فقلت: خيرًا يا أبا محمد، على ما يحب الصديق ويكره العدو، فانصرفت إلى منزلي فوجه لي بعشرين ألف درهم.قال عبد الله بن سليمان: وكانت بنت سعيد بن المسيب قد خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد، فأبى سعيد أن يزوجها، وزوجها بأحد طلابه.
هذه القصة من اجمل قصص سلفنا الصالح التي تدل علي حرص سعيد بن المسيب على اختيار الزوج الصالح لابنته، ولو كان فقيرًا فسيغنيه الله من فضله، وفي هذه القصة عبرة للآباء والأولياء بالبحث عن الرجل الكفء في دينه وخلقه لبناتهن دون النظر للأمور الدنيوية، فما عند الله خير وأبقى، وإن خير الزاد التقوى.
المصدر : قصص واقعية